الجمعة، 23 سبتمبر 2022

 

لمحة موجزة حول لثام الطوارق

يدخل اللباس ضمن نسقية العادات والتقاليد التى تمثل ثقافة وهوية الشعوب، فكل جماعة تعرف بلباسها و ممارسات الاجتماعية التى تميزها عن باقي الجماعات.

فاللباس في مضمونه يمثل محور القواعد الاجتماعية والدينية التى تضبط بدورها البناء الاجتماعي للمجتمع الذي يتحدد في نظام الادوار.

تختلف الظواهر الاجتماعية من مجتمع لاخر من حيث النمط  والاسلوب الحياة ويمكن جمعها في "التراث المادي واللامادي " التى تبرز في ملامح مجتمع ما، فالتوارق يمتازون بظواهر متعددة أهمها "اللثام" ومثل هذه الظاهرة لابد من دراستها سواء من الناحية الاجتماعية او تاريخية للكشف عن خبايا هذه العادة التى تمثل رمزا ومكون ثقافي واجتماعي لهذه الفئة من الشعوب.

ويعتبر اللثام شكلا ثقافيا يحمل دلالات و علامات مختلفة، كونه يجسد فكرة التجسيد الاجتماعي.

ويسمى الطوارق اللثام بلغتهم" تجلموست"وهي كلمة امازيغية.

وتعنى هذه الكلمة القناع أو اللحاف الذي يستر ويخفى الراس والوجه، حيث يشمل هذا القناع الاذن- الانف- فلا يرى منه الا محاجر العينين فقط، حيث لا ينزعونه حتى في الاكل ومواقيت الراحة وفي حضرة النساء، والذي ينزعه منهم كمن خلع ثيابه.ونلاحظ من خلال ما تم طرحه ان اللثام عادة قديمة ذات قيمة اجتماعية ودينية، ومظهرا من مظاهر حياتهم، كونه لم يتأثر بالتغيير الاجتماعي والثقافي  وبقي محافظ على اصالته خاصة من ناحية طريقة الارتداء.  

ومن بين المعتقدات الشعبية التى ترجع الى سبب ارتداء اللثام نذكر أهمها:

يمثل جزء من العمق الثقافي لعاداتهم.

يرتديه الفارس أثتاء الحروب حتى لا يعرفه الخصم.

يوضع كذلك لحماية الفم من الغبار ومن ارتفاع درجة الحرارة .

يوضع لحماية الفم من دخول الارواح الشريرة.

يمثل رمزا من رموز الثقافة الشعبية الطارقية.






 

المعتقدات الدينية بين ثنائية السحر والأسطورة

لقد إهتمت العديد من الدراسات بتحليل ودراسة النظام الديني، كالأنثروبولوجيا الدينية، وعلم الاجتماع الديني، وفلسفة الأديان... وتنوعت وجهات النظر والتفسيرات المقدمة لفهم الدين ونشأته وأصوله بإختلاف تصوراتهم العلمية والمعرفية لفهم الظاهرة الدينية.

يشكل الدين نسق من الأنساق الاجتماعية المؤثرة في كافة الأنساق الأخرى، ويكمن القول أن الدين نظام اجتماعي يعبر عن تصور معين وأسلوب خاص لفكرة الفرد أو الجماعة، والدين في جوهره العام  الجانب المقدس في حياة الفرد والمجتمع.

 إن الدين لا يزال مصدرا للأفكار والمعتقدات الأساسية لدى الإنسان بصفة خاصة، والمجتمع والجماعة الاجتماعية بصفة عامة وتخضع هذه الممارسات عادة إلى تصورات دينية نابعة عن مختلف الشعائر الطقوس، والعادات والتقاليد والأعراف التي تندرج ضمن نطاق النسق الديني.

 وتمثل الممارسات الدينية تعبيرا عن ثقافة، حيث اتخذت أشكالا وعدة مظاهر وطقوس جعلت منها أهمية كبيرة في كونها ساهمت في صنع المواقف وتحديد الاتجاهات ونمط الحياة.  

ونظر دوركايم إلى الأفكار والممارسات الدينية على أنها تشير وترمز إلى الجماعة الاجتماعية، كما اعتبر المجتمع المنبع الأصلي للدين ولذلك عرف الدين بأنه نسق موحد من المعتقدات والممارسات التي تتصل بشيء مقدس وهذه المعتقدات والممارسات في مجتمع  أخلاقي واحد يضم الذين يرتبطون به.

ويرى "دوركايم" أن الدين يضم مجموعة من المعتقدات، والممارسات في نسق شامل يحقق القداسة للأشياء المحرمة، وهذه المعتقدات توجد بين الأفراد وتخلق مجتمعيا أخلاقيا، أي الإسهام الجمعي في المعتقدات يعتبر شرطا أساسا لوجود الدين، كما أوضح "دوركايم" أن الطبيعة الملزمة للمعتقدات والممارسات الدينية، وقوة الدين وارتباطه بأشكال الفكر الأساسية يرجع إلى أصله المرتبط بالمجتمع( مهدي محمد القصاص، 2008، ص 52،51)

و بناء على مختلف الدراسات التي تناولت  نشأة  وتاريخ الأديان أشارت إلى أن المعتقدات الدينية أو (الاعتقاد الديني)  يكون نابع من منهجين أساسين: الأول  الاعتقاد الديني الرسمي الذي يتقيد به الفرد من خلال الأصول ومبادئ الشريعة ، والمنهج الثاني الاعتقاد الديني الغير رسمي الذي يقبل فيه الفرد  مختلف الممارسات الشعبية مثلا كالسحر والأسطورة. 

إن الجدلية القائمة بين كل من الدين والسحر والأسطورة أفرز ت بدورها تصورات وممارسات التي تأخذ شكل المعتقدات الدينية  بإعتبار الدين جزء من المجال الأيديولوجي للمجتمع.

الدين والسحر:

يمثل السحر من بين أهم المعتقدات التي عرفتها البشرية، فالممارسات السحرية تعتبر جزء من الاعتقاد الديني،

وما قامت دراسة تهتم بالدين ومختلف القضايا التي تندرج ضمنه سواء من الناحية الإجتماعية والأنتروبولوجية والفلسفية إلا واتجهت باهتمام صوب محاولة التمييز بين السحر والدين، والدين والمعرفة والعلاقة بينهما (هنري برجسون، 1945، ص 151).

إهتم  "كارل ماركس" بدراسة السحر  وعلاقته بالدين  فقد أشار إلى أن الإنسان هو الذي يصنع الدين، وليس الدين هو الذي يصنع الإنسان، والدين أفيون الشعوب، وقد كان متفق مع فكرة أن أقدم أشكال الدين إرتبطت بعبادة الطبيعة أو ما يطلق عليه المذهب الإحيائي هذا هو المنبع الذي يضرب فيه السحر بجذوره، على جانب الأخر من تطور المجتمعي.

وكان العلامة والمنظر الإجتماعي البريطاني "هربرت سبنسير" أول من نشر نموذجا تطوريا اجتماعيا صور فيه السحر على أنه نموذجا بدائيا للدين يقوم على العلاقات المتجانسة وعبادة الأسلاف  ولكنه- كممارسة- قابل للتكيف مع تطور الدين، بحيث يستطيع الدين والسحر التعايش معا.

ويرى "تايلور" أن السحر كان موجودا في بادئ الأمر باعتباره تعبيرا عن الفكرة الإحيائية التي ترى أن الأشياء - وكذلك البشر- لها أرواح أو جوهر روحاني وكان الفكر الإحيائي والسحر سمة الشعوب التي تحتل مراتب دنيا على مقياس الإنسانية، ثم تتطور الدين كفئة مستقلة من مفهوم الروح البشرية ثم كانت الخطوة التطورية التالية هي التحول من الشرك إلى التوحيد ( ديفيز أوين، 2014، ص ص،19، 20).

ومن هذه المقدمات المنهجية المطروحة تبين أن الظواهر الدينية تنتظم في فئتين رئيسيتين: المعتقدات والشعائر أو العادات. والمعتقدات هي تمثلات تعبر عن طبيعة الأشياء المقدسة القوة والفضيلة التي تخلع  عليها  تاريخيا وعلاقتها مع بعضها ومع الأشياء الدنيوية والعادات أو الشعائر التي تعتمد على المعتقدات هي عبارة عن قواعد للعمل تتصف وتحدد كيف يجب على الإنسان أو يتصرف مع الأشياء  المقدسة، والتميز بين ما هو مقدس وبين ما هو دنيوي هو إذن في قلب كل دين، فالمعتقدات الدينية المعروفة سواء كانت معتقدات بسيطة ومركبة تظهر صفة مشتركة (دانيال هرقيه ليجيه، جان بول ويلام، 2005، ص ص  213،214).

الفرق بين السحر والدين:

من حقنا أن نتساءل عن علاقة السحر بالدين والطبيعة التي يحملها كل منهما ،ولعل أصعب إشكالية واجهت الأنثروبولوجين في دراسة المجتمعات البدائية هي إشكالية التمييز بين السحر والدين، وأعيتهم الحيلة للوصول إلى رأي موحد بهذا الشأن نظرا لتداخل مظاهر السحر ولأن ما تعده الثقافة  دينا ينظر إليه ممارسات دينية على أنها من أعمال السحر المحرمة والكهانة والكفر. ومن الآراء التي ساقها الأنثروبولوجيين بهذا الشأن القول بأن السحر ذرائعي ووسائلي يمكن تسخيره لجلب المنافع أو لإحداث الضرر وهو لا يشمل على أي بعد روحي أو أخلاقي، بينما الدين تغلب عليه النزعة الأخلاقية ويتعلق بأمور الآخرة أكثر منه بأمور الدنيا.

ويرى جيمس فريزر في كتابه الغصن الذهبي  أن السحر مثله مثل العلم والتكنولوجيا ما هو إلا وسيلة الرجل البدائي للسيطرة على قوى الطبيعة وتسخير قوانينها لمصلحته من خلال إجراءات معينة فهو علم البدائيين فالساحر مثله مثل العالم يحاول التأثير على القوى الطبيعية وتسخيرها لمنفعته (درنوني سليم،2017، ص 59 ).

ويشير تايلور إلى أن هناك أربعة أسباب لإيمان الشعوب بالسحر وهي كالتالي:

ü بعض نتائج السحر تحدث فعلا ولكن لاشك في ذلك من قبل الصدفة.

ü غالبا ما يستخدم الساحر الخداع والإيهام والإيحاء والتلاعب بالألفاظ العمومية التي تحتمل  كافة التأويلات الشخصية.

ü المؤمنون بالسحر يذهلون من النتائج التي تحدث ويتأثرون بها.

ü عدم تحقق المطالب يفر دائما بوجود قوى سحرية مضادة تعمل على إنجاح المطلوب وتستدعى أعمالا سحرية أخرى ضد السحر المضاد.( محمد الخطيب، 2000، ص 152).

الأسطورة والدين أيه علاقة؟

يعتبر  المفكر ميرساد  إلياد  من أبرز المفكرين الذين  قدموا مسلمات فكرية ومعرفية لمعرفة العلاقة التي تربط الدين بالأسطورة، فقد إستخدم  ميرساد المنهج البنيوي لتحليل فكرة الدين والأسطورة حيث يشير إلى أن بنية الأسطورة ووظيفتها تتجسد من خلال العلاقة الجدلية القائمة بينها وقد تجسد ذلك في النص الأتي  "تنطوي معايشة  الأساطير إذا على خبرة دينية حقيقية، من حيث تميزها عن الخبرة العادية التي نختبرها في حياتنا العادية"( مرسيا إلياد، 1991، ص ص 21 ،22).

وحسب إلياد  فإن الأسطورة والدين يشتركان في كونهما عنصرين تاريخيين، مضافا إلى أنهما معا نموذجان للمسالك البشرية، وأن الرموز الدينية ظهرت من خلال تأثير الأشكال الطبيعية للعالم على المجتمع الإنساني والأساطير هي التي تنظم تلك الرموز في ثقافة معينة للتعبير عن الحدس الأزلي، وان تلك الأساطير أضيف إليها كما حرف أصلها الديني حتى خرجت عن الحقيقة الدينية إلى الأسطورة. (مصطفوي محمد ، 2014، ص  56 ).

فالأسطورة تعتبر مكون أساسي من مكونات الدين فإذا ما نظرنا إلى نظام الدين نجد يتكون من المعتقد والأسطورة والطقس وكل هذه العناصر تكمل بعضها تربطها علاقة ولا يمن الفصل فيما بينهم، وللأسطورة دور مهم في تحليل وتوضيح المعتقدات الدينية.


الملاحظة والمقابلة في البحث الانثروبولوجي

تعتبر مرحلة  جمع البيانات من بين أهم مراحل البحث العلمي، إذ يتم فيها التنقيب عن المعلومات المتعلقة بطبيعة الموضوع، والتي تعتمد بدورها على أساليب وقواعد أساسية تدخل ضمن نسقية البحث الميداني التي تمكن الباحث من الوصول للمادة الحقلية وفقا لأسس منهجية ومنطقية محددة، والواقع أن قوام البحث يتمثل في العمل الحقلي الذي يشكل قاعدة جوهرية في البحوث والدراسات الأنثروبولوجية.

  إن الدراسات الأنثروبولوجية الحقلية متى ما تم استخدام أدواتها بالشكل الصحيح ستؤدي بالضرورة لنتائج تستحق الإشادة العلمية وهذه الدراسات كسائر الدراسات العلمية تعتمد على تقنيات أساسية، والذي سيتم التركيز عليه هنا هو تقنيات التي يحتاجها الباحث في البحوث الانثروبولوجية ذات الطابع الميداني وهما الملاحظة والمقابلة. 

الملاحظة ( OBSERVATION)

أداة الملاحظة تعرف على أنها أكثر التقنيات صعوبة لأنها تعتمد على مهارة الباحث وقدرته عن الكشف عن تفاصيل الظواهر، وتحليل العلاقات التي توجد بين عناصرها ومكوناتها، وأنماط السلوك الاجتماعي المراد دراستها التي لا يمكن فهمها إلا من خلال ملاحظتها ومتابعتها بطريقة دقيقة وعلمية ومنظمة.

تمثل الملاحظة من بين أهم التقنيات المستعملة خاصة في الدراسات الأنثروبولوجية الحقلية الميدانية لأنها الأداة التي تجعل الباحث على اتصال بالمبحوث وبميدان الدراسة خاصة.

ويقول منذر عبد الحميد الضامن عندما يفكر الباحث في دراسة نوعية فانه يضع في اعتباره القيام بجمع المعلومات عن طريق الملاحظة، فالملاحظة هي عملية جمع المعلومات عم طريق ملاحظة الناس أو الأماكن، وعلى عكس البحوث الكمية فان البحوث النوعية لا تستخدم أدوات مطورة من قبل الباحثين آخرين، بل يطورون أشكال الملاحظة لجمع البيانات.

أنواع الملاحظة: يمكن تصيف الملاحظة إلى صنفين وهما الملاحظة البسيطة والمنظمة:

_الملاحظة البسيطة: يطلق عليها أيضا الملاحظة غير المشاركة، حيث يقوم الباحث بواسطتها بمراقبة المبحوثين عن كثب، دون أن يشارك في النشاط الذي تقوم به الجماعة موضع الملاحظة، ويكون ذلك عن طريق المشاهد أو الاستماع أو متابعة موقف معين (خالد حامد، ص 138)

دور الملاحظ الغير مشارك ( الملاحظة البسيطة):

 _الملاحظ الغير مشارك هو الملاحظ الذي يزور الموقع الذي تتم فيه الملاحظة ويسجل الملاحظات دون أن يشترك في الأنشطة كأن يجلس الباحث خلف الصف ويلاحظ الأنشطة ويقوم بتدوينها(منذر عبد الحميد الضامن، 2006، ص 95)

_الملاحظة بالمشاركة( المنظمة)

تعتبر الملاحظة بالمشاركة الوسيلة الأساسية في العمل الحقلي الميداني، وكثيرا ما يعتمد عليها الباحث الأنثروبولوجي في جمع البيانات، وهي الملاحظة التي يصبح فيها الباحث أحد أعضاء المجتمع المدروس أما أن يكون مصرحا بذلك وأما أن تكون سرية: ففي الحالة الأولي: يصرح الباحث أنه يقوم بالملاحظة بغرض البحث العلمي.

وفي الحالة الثانية: تكون الملاحظة غير مصرح بها، حيث يقوم الباحث بنشاط داخل الجماعة دون أن تعلم بحقيقة هويته وقد اتخذ هذا النوع أشكالا مختلفة( خالد حامد، صفحات 138، 139)       

 فقد استخدمها الأنثروبولوجيين لدراسة المجتمعات البدائية أو في ملاحظة بعض المواضيع التي يتأثر فيها سلوك المبحوث بوجود إي طرف أجنبي، لذلك يحاول الباحث أن يندمج في الجماعة بحيث يتقدم لهم كأنه عضو منهم أو يتعاطف معهم" ويشير احد علماء الأنثروبولوجيا انه: لفهم ثقافة المجتمع لابد من العيش في المجتمع ومعرفة لغة الأهالي( سليم درنوني، ص 83).

المقابلة: ( Entretien)

تعتبر المقابلة من بين أهم التقنيات الأساسية لجمع المعلومات والبيانات خاصة في الدراسات الأنثروبولوجية إذ تكتسي نوع من الأهمية البالغة في كونها تضمن اللقاء الشخصي المباشر بين الباحث والمبحوث، وتعدد التعريفات حول تقنية المقابلة ونعرض أهمها:

تعريف المقابلة البحثية:

المقابلة بوصفها أداة للبحث يتم بين القائم بالمقابلة وبين شخص أو مجموعة أشخاص بهدف الحصول على المعلومات حول موضوع معين، تمتاز المقابلة عن غيرها من أدوات البحث الأخرى بأنها الأكثر مرونة وبأنها تسمح بملاحظة المبحوث أو الظاهرة والتعمق في الفهم الموقف الكلي الذي يستجيب فيه للمقابلة بحيث يستطيع الباحث أن يشرح ما قد يكون غامضا من الأسئلة ويستطيع أن يتكيف مع الجو الاجتماعي الذي تجرى فيه المقابلة حتى يكون أكثر واقعية ويجعل المبحوث أكثر تجاوبا( خالد حامد، ص 140).

أنواع المقابلة:

المقابلة الغير موجهة:

وتسمى أيضا بالمقابلة الحرة أو العفوية وهي نوع من المقابلة تتميز بالمرونة المطلقة، فلا تحدد فيها الأسئلة المخصصة للمبحوثين ولا احتمالات الإجابة، بحيث يترك فيها قدر كبير من الحرية للمبحوثين للإدلاء بآرائهم والمعلومات التي بحوزتهم حول موضوع المقابلة .ويفضل كثير من الباحثين هذا النوع من المقابلة لترك المستجوب يصرح بآرائه بنوع من الحرية نظرا لما يملكه من معلومات تتعلق بموضوع البحث بصفة عامة ( بوترعة بلال، ص 219) وفي هذا النوع من المقابلات يترك الباحث المجال للمبحوث للتعبير بكل حرية عن أرائه واتجاهاته ومشاعره ويتميز هدا النوع من المقابلة بكثرة الأسئلة وتنوعها وعدم انتظامها. 

 المقابلة الموجهة:

وفي هذا النوع من المقابلة يتحدد شكلها ومضمونها، وتتضمن مجموعة من الأسئلة التي تكون منسقة ومرتبة حسب محاور الدراسة، ويستخدم الباحث هذا النزع من المقابلة بهدف الاطلاع بعمق على جوانب الموضوع، ويفترض من القائم بالمقابلة العمل وفق خطة بحث معينة أ دليل يقود إلى تحقيق الغرض المطلوب، فالباحث هنا يحاول أن يقود مسار المقابلة نحو الهدف المحدد في ذهن الباحث، ويساهم هذا النموذج من المقابلة في تعديل فروض الدراسة وتطوير أهدافها، فضلا عن كونه يساعد في بناء استمارة المقابلة( مسعودة بيطام، ص123)

إن طبيعة البحث الأنثروبولوجي يجعل من المقابلة الغير موجهة التقنية الأنجع، خاصة وان التوجه الحديث في البحوث الأنثروبولوجية لا يعتمد على بناء الفرضيات المسبقة بل يدخل الباحث إلى الميدان الأكبر قدر من الحرية في التعامل مع موضوع البحث والمبحوثين (سيكوك قويدر، ص 06).

-    متى نلجأ إلى استعمال المقابلة:

نستعمل المقابلة لمعرفة تمثلات وأراء وحتى الممارسات الاجتماعية عن طريق الكلام الذي يصدر عن المبحوث، مما يدفع إلى تقنية المقابلة هو السياق الذي يجرى فيه، أي ماذا نريد من المبحوث من معلومات وبيانات، في أي ظروف ملائمة يمكن استعمال المقابلة كتقنية لجمع المعطيات؟... تفترض المقابلة كلما كنا لا نعرف العالم المرجعي، أو عندما لا نريد أن نقرر مسبقا نظام الانسجام الداخلي للمعلومات التي نبحث عنها... ويمكن استعمال المقابلة في دراسة الشخص أو الجماعات الصغيرة، فإننا نلجأ إلى المقابلة إذ كانت أهداف دراستنا تريد التوقف عند التمثلات والدلالات والمعاني والتصورات التي يمنحها الأشخاص لواقعهم المعيش، ولا تتوقف حول مسألة ما أو ظاهرة، وأيضا من أجل اختبار فرضيات البحث من خلال معرفة أهداف البحث وتحديدها ( سعيد سبعون، 2012، صفحات174،176).

الخميس، 22 سبتمبر 2022

التصفيح فقل احترازي لحماية عذرية الفتاة 

يندرج هذا البحث في إطار البحوث الأنثروبولوجية التي تساهم في فهم وتفسير مختلف الممارسات الشعبية التي تدخل في نطاق العادات والتقاليد، والمجتمع الجزائري كغيره من المجتمعات مرتبط بثقافته وما تحمله من إعتقادات وتصورات، خاصة تلك التي ترتبط بالجسد الأنثوي ( العذرية)  لما لها قدسية في المجتمع.

إن العذرية في حد ذاتها لا تزال موضوعا شبه ممنوع عن الدراسة، كونه يدخل ضمن نسقية الطابوهات المعرفية والاجتماعية بالنسبة للشعوب العربية الإسلامية التي أعطت صفة القداسة لعذرية الفتاة وربطتها بقيمة الشرف والطهارة وفحولة الرجل.

فالعذرية  في المجتمع الجزائري  تحظي بأهمية بالغة، حيث تعتبر من بين مضامين الشرف والاحتشام، فمسالة العذرية ليست لها علاقة بالجانب الديني فقط، بل تتعداها في كونها تدخل ضمن تقاليد مجتمع وقيمه، لهذا يلجأ أفراد المجتمع البحث إلى ممارسة طقوس سحرية تضمن حماية غشاء البكارة الذي يجسد العذرية في مضمونها العام، ويمثل سحر التصفيح من بين أهم الآيات الوقائية التي تهدف إلى حماية عذرية الأنثى.

 فالتصفيح انتقال رمزي وفعلي للفتاة من كونها فتاة يمكنها ممارسة الجنس خارج الإطار الشرعي للزواج إلى فتاة محصنة جسديا بمفعول سحري يمنعها من أي اتصال جنسي مع الرجل وحتى وأن حدث هذا الاتصال سواء برغبة الفتاة أولا  فلا يمكن فض غشاء بكارتها لأن السحر الدفاعي يحرس منطقة غشاء البكارة. بإعتبار أن الجسد الأنثوي يرتبط برموز إجتماعية وثقافية للمجتمع والمتمثل في الطهارة، والشرف والسلطة الذكورية.

        تحديد المفاهيم 

1.الجسد

الجسد معطى أولي أنه موضوع بشكل منبع الحياة والحركة والفعل والوعي، وهو مكتسب قبلي سابق على كل روح، بإعتباره معيارنا الأول في الوجود، فهو يشكل مركز الكون ومقاسه الضروري.( فريد ويشير علماء الاجتماع إلى أن الجسد "الإنسان يعد شكلا، وهيئته مهمة لكافة أنواع التفاعل الاجتماعي، لأن أجسادنا تعد رؤية محتومة ومتعذر اجتنابها ولها علاقة بعرض ذواتنا"( معن خليل، 2000، ص134). 

العذرية:

تعريف نوال السعداوي "العذرية والشرف مفهومان متلازمان، فالمفهوم الشرف مرتبط بما يسمى العرض أو عذرية الفتاة قبل الزواج، وإخلاصها لزوجها وطاعتها له بعد الزواج، فإذا ما فقدت البنت عذريتها لأي سبب وان كان اغتصابا رغم انفها، فأنها تصبح فتاة بغير عذرية أو بغير شرف وإن شرف الأسرة وعرضها أصبحا في التراب، وعلى رجال الأسرة أن يستردوا شرفهم الضائع، إما بقتل الفتاة أو بكتمان الأمر الذي يسمى فضيحة، وتزويجها في السر من الرجل الذي اعتدى عليها أو أي رجل آخر يتطوع للزواج منها، ويعتبر هذا الرجل المتطوع شهما مضحيا بنفسه من أجل شرف الأسرة، وكأنه يتطوع للموت في الحرب مثلا أو في كارثة وليس أنه يقبل على الزواج من فتاة" ( السعداوي، 1982، ص 59)

التصفيح:

"التصفيح نوع من الإقفال الرمزي المتعلق بالجسد وواحدة من  الممارسات التحصينية بإعتباره ملكية أسرية جماعية تهدف إلى صون شرف العائلة ككل"( سباعي،2011، ص211).

والتصفيح ظاهرة قديمة في المجتمع الجزائري وهي ممارسة سحرية موجودة خاصة في الأرياف تهدف إلى حماية بكارة المرأة مهما مارست الجنس.

"التصفيح نوع من الإقفال الرمزي المتعلق بالجسد وواحدة من  الممارسات التحصينية بإعتباره ملكية أسرية جماعية تهدف إلى صون شرف العائلة ككل"( سباعي،2011، ص211).

والتصفيح ظاهرة قديمة في المجتمع الجزائري وهي ممارسة سحرية موجودة خاصة في الأرياف تهدف إلى حماية بكارة المرأة مهما مارست الجنس. التصفيح بمثابة سحر وقائي، وهي عادة شعبية تهدف إلى عرقلة الرجل من ممارسة الجنس مع المرأة المصفحة، ويتخذ هذا السحر طرق متعددة تختلف من منطقة إلى أخرى وحتى من الشخص الذي يمارس هذا النوع من السحر لكن يبقى الهدف واحد.وهو "الربط".

 التصفيح كطقس سحري احترازي لحماية عذرية الفتاة

يختلف هذا النوع من السحر (التصفيح) في التسمية ففي المغرب يطلق عليها "الرباط" بمعنى ربط الشي، أما في المجتمع التونسي لا تختلف تسميته عن المجتمع الجزائري تسمى التصفيح، والتصفيح من فعل صفح وكلاهما يهدفان إلى حماية عذرية الفتاة.  ويتميز هذا الطقس السحري بممارسات سحرية تمارس قصد نجاح عملية الربط، تتمثل في كلمات معينة وهي" بنت فلانة حيط، وولد الناس خيط" فالانتساب هنا يرجع للأم لأنها هي المسؤولة والحامية الأولى عن تربية الفتاة، ويمارس هذا الطقس بواسطة أدوات كالتمر، المرآة، القطن...الخ

 كيف تتم ممارسة عملية التصفيح؟ وما هي ابرز الطرق ؟

      طريقة التشلاط ( التمر): يعني إحداث جروح صغيرة بواسطة (موس جيلات) في الركبة اليمنى للفتاة ويكون عددها سبعة ثم تغمس في كل جرح حبة من التمر وتتناولها الفتاة واحدة تلوى الأخرى حتى تصل الى سبعة حبات، وتردد المسؤولة " الطفلة حيط والراجل خيط.

      طريقة الماء والقطن: وهي نفس الطريقة الأولى بعد إحداث الجروح يتم مسح الدم بالقطن ووضعه في كأس من الماء وتشربه الفتاة مع ترديد نفس العبارة السابقة.

     طريقة المرآة: يتم وضع مرآة صغيرة الحجم ذو وجهين وتفتح ثم توضع على ركبة الفتاة ويتم جرحها سبعة مرات وتغلق وتخبئ ولا يجب فتحها أبدا وإذ فتحت يعاد شراء مرآة جديد يشرط عدم إستعملها من قبل، وعند الفتح تجرى نفس العملية، إحضار المرآة ووضعها فوق الركبة ويعاد فتح الجروح بالمقلوب .

     طريقة القفل: هي نفس الطريقة الثانية يتم وضعها تحت الفتاة وتقفل وتردد نفس العبارة السابقة وهي ترمز إلى إغلاق الفتاة ومنحها القوة مثل الجدار وإنتزاع القوة من الرجل.


الأربعاء، 21 سبتمبر 2022

ثقافة الصحة والمرض من منظور الانثروبولوجيا الطبيبة

إن الاهتمام بقضايا الصحة والمرض، تمخض عن ظهور الأنثروبولوجيا الطبية التي تبحث في مضمونها عن العلاقة بين الثقافة والصحة والمرض،  بإعتبار أن مفهومي الصحة والمرض يرتبطان بالنواحي الثقافية والاجتماعية، كارتباطهما بالنواحي البيولوجية وهذا يعني أن للمرض بعدا طبيا وأخر ثقافيا.

لقد أسهم الأنثروبولوجين في هذا المجال من منظورهم المرتكز أساسا على البعد الثقافي في تشخيص المرض ومعالجته، لهذا لا يمكن دراسته بمعزل عن السياق الثقافي للصحة.

وتؤكد الدراسات الاجتماعية والأنثروبولوجية على أهمية البعد السوسيو- ثقافي في فهم المرض، وكيفية إدراك الناس لبيئتهم خاصة فيما يتعلق بالصحة وحدوث المرض، وخصائص الأنساق والقيم الاجتماعية، فالنسق الثقافي يحتوى على مجموعة من العناصر التي تمارس تأثيرها على الصحة والمرض، وأن الممارسات المرتبطة بالمرض تعد سمة أساسية للثقافة.

وتتضمن الممارسات العلاجية الشعبية العديد من الأساليب والوسائل التي تهدف إلى تحديد نوع المرض وكيفية التعامل معه    واختيار العلاج المناسب له وذلك في ظل ثقافة ومعتقدات الأفراد.

 1.2         الأنثروبولوجيا الطبية:

ظهرت الانثروبولوجيا الصحية نتيجة اهتمام الانثروبولوجين بالصحة والمرض عند الشعوب المختلفة، وفي هذا الإطار تم تناول المعتقدات والممارسات الطبية كجزء من التراث الثقافي الطبي والصيدلاني، وهذا ما جعل المختصين يقومون بجمع معلومات عن الممارسات العلاجية عند الشعوب ومن الأمثلة تلك المحاولات المبكرة التي قام بها  الباحث "كليمنس" عام 1932 من خلال دراسته المسحية المقارنة حول المعتقدات الخاصة بتعليل المرض والتي تطلبت منه الاستعانة ب 229مصدرا معظمها ينتمي إلى الاثنوغرافيا، فمكنته من الوصول إلى نظرية سمها وعرفها" الطب البدائي" أعطى بفضلها المفاهيم البدائية للمرض. (  سميرة بن صافي، 2018، ص931 ).

وقد شهدت الانثروبولوجيا الطبية ازدهارا ملحوظا بعد الحرب العالمية وخاصة حينما أسهمت في دراسة المشكلات الطبية، وتمثل دراسة الباحث "كاوديل" عام1953 عن الانثروبولوجيا التطبيقية في مجال الطب، نقطة البداية في هذا الازدهار، إلا أن هناك محاولات سبقت "كاوديل"، تناولت وصف المفاهيم الاديولوجية والمعتقدات المرتبطة بالصحة والمرض والممارسات الطبية في المجتمعات البسيطة، وشكلت محاور أساسية في الدراسات الاننوغرافية منها دراسة "ايفانز  بريتشارد" و "جيلين" و" ريفرز".( محمد علي م مكاوي، 2007،ص 215).

وتعرف الانثروبولوجيا الطبية بأنها دراسة كلية مقارنة للثقافة ومدى تأثيرها على المرض والرعاية الصحية، ويمثل مفهوم الثقافة نصف مجال اهتمام الانثروبولوجيا الطبية، بينما تمثل الصحة والمرض والوقاية والعلاج النص الثاني.( محمد علي مكاوي، 2007، ص 213).

وهناك من عرفها على أنها دراسة المعتقدات الثقافية والممارسات الاجتماعية المرتبطة بمفهومي الصحة والمرض.( محمد علي محمد، سناء الخولي واخرون، 2011، ص ص 145-146).

وتمثل الثقافة جوانب مشتركة من الأفكار والتصورات والمعتقدات والسلوك التي تشكل حياتنا، وان الممارسات والمضامين الثقافية تعتبر هي السياق الذي نتج فيه الطب كما تم تعليمه وممارسته داخل هذا السياق ( السياق الثقافي).

ويعرف الباحث "فوستر" الانثروبولوجيا الطبية بأنها علم الثقافة الحيوية الذي يعني كل الجوانب البيولوجية والاجتماعية _ الثقافية في السلوك البشر، الذي يهتم بصفة خاصة بالطرائق والأساليب التي تفاعلت بها هذه الجوانب خلال التاريخ الإنساني للتأثير في الصحة والمرض. (إسماعيل رابحي و عائشة حوحو، ص ص 436-437)

وتؤكد الدراسات والأبحاث الاجتماعية والأنثروبولوجية على دور الثقافة في فهم قضايا الصحة والمرض وعلى أن استيعاب هذه الأخيرة لا يمكن أن يتم بمعزل عن البناء الاجتماعي والثقافي للمجتمع( نجلاء عاطف خليل، ص ص 150-153).

الثقافة والصحة والمرض

تمثل الثقافة جوانب مشتركة من الأفكار والتصورات والمعتقدات والسلوك التي تشكل حياتناـ فقد أشار الانثروبولوجين إلى أن الثقافة نتاجا جماعيا مشتركا ومتطورا واطر معيارية قابلة للتشاور وإمكانية تحقيقها لتوجيه وفهم المراد من الحياة اليومية.

فقد تطورت الثقافة من خلال نموذج تطور ثقافي عام تجتاز مراحل متعددة من نمط حياة إنسانية بدائية تعتمد على البحث عن الطعام إلى دول صناعية حديثة، ومن مجتمعات بسيطة الى مجتمعات مركبة...الخ.

 فقط ارتبطت مراحل التطور الثقافي أيضا بالمرض وخاصة الأمراض الوبائية والبيئية حيث كانت معدلات الأمراض المعدية منخفضة نسبيا في مجتمعات البحث عن الطعام بسبب حجمها السكاني الصغير وقابليتها للحركة، ثم زاد انتشارها في المدن قبل الصناعية، وفي العصر الحالي.( نجلاء عاطف خليل، 2007 150_151). وهنا يبين لنا ابن خلدون المجالات العمرانية التي تكثر فيها الأمراض حيث يقول" ووقوع هذه الأمراض في أهل الحضر والأمصار أكثر لخصب عيشهم وكثرة مأكلهم وقلة اقتصارهم على نوع واحد من الأغذية وعدم توقيتهم لتناولها" وهي الحواضر بسبب كثرة وتنوع المأكولات بها.(بغدادي خيرة، كزيز أمال، ط1، 2020  ص 60).

وفي هذا فقد أكدت العديد من الدراسات الانثروبولوجية والاجتماعية أن للثقافة دور قيم في تحديد الأفراد لدلالات الصحة والمرض وكيفية التعامل معها من خلال أساليب وممارسات شعبية وطبيبة تساعد في العلاج.

فيرى "ريس"  Risse ثنائية الصحة والمرض مفهومان مرتبطان بموضوعات مثل القيم الثقافية والدينية والبناء الاجتماعي، بينما أشار "غلاسير " Glaser إلى أن لكل مجتمع من المجتمعات نظريته الخاصة به، وهي نابعة من تصورات والأفكار الأساسية التي يكونها السكان غن الكون والعلم والحياة ، وان اختلاف النظريات الطبية باختلاف الثقافات والحضارات الإنسانية، إلا أن السمة الغالبة على الحضارات الإسلامية والهندية هي ارتباط الممارسات العلاجية فيها الدين.(  كمال بوغديري، 2017، ص 498).

الممارسات العلاجية الشعبية الطبية

1.4 الطب الشعبي:

يمثل الطب الشعبي صورة أولية للطب، وقد أشار هوجر" Hughes" إلى أن الطب الشعبي لم يعد بمعزل عن الطب الحديث.( علي مكاوي،  ص 20)، ويشير الطب الشعبي في مفهومه على انه مجموعة من المعارف والممارسات القائمة على نظريات علمية ومعتقدات التي يمارسها أفراد المجتمع والتي تتوارث من جيل إلى أخر، وهذه المعارف تندرج ضمن إطار الثقافة الشعبية.( يحي مرسي بدر، 2007، ص204).

وتعرف منظمة الصحة العالمية الطب الشعبي على انه شكل من أشكال الطب التقليدي، وانه مجموعة من الطرق والوسائل التي وجدت قبل ظهور الطب العلمي الحديث.( عبد المحي محمود حسن صالح، 2003، ص 70).

إن ممارسة الطب الشعبي يتطلب خبرة قد تكون مستمدة من الوراثة أو احد الأقارب، او مكتسبة عن طريق الخبرات و التحصيل الذاتي.

 فالطب الشعبي لا يزال يمارس وبصفة مستمرة وله إقبال واسع من مختلف شرائح المجتمع خاصة في ظل تطور الطب الحديث، لكن تبقي خصوصية الطب الشعبي ودوره في الأنساق العلاجية ومعالجة مختلف الأمراض ، ونشير إلى بعض  الأساليب العلاجية الشعبية التي يمارسوها الأفراد للتخلص من الأمراض.

1.     المعالجة بالحجامة:  نمط علاجي تقليدي فالحجامة هي إحداث مجموعة من الجروح تشليطية بشفرة معقمة على مستوى مقدم الظهر ، بعد أن يبحث المعالج احتفال دموي في هذه المنطقة بواسطة أكواب هوائية وقد عرف العرب هذا النوع من العلاج الشعبي وأوصى به الإسلام والرسول صلى الله عليه وسلم فأصبحت من السن المباركة.(  العربي حران و خيرة عويسي،2020 ص300 ).

وتنقسم الحجامة إلى نوعين:

الحجامة الرطبة أو الحجامة المدماة: وهي التي نخرج بواسطتها الدم من سطح الجلد بإحداث جروح خدوش لا تتجاوز عمقها0.1مم وبطول حولي 4مم تتركز جميعها في منطقة معينة.( مليكة بن منصور و خالد خواني، 2015، ص142).

الحجامة الجافة: تتم بواسطة أكواب ( كاسات هوائية) لكن دون خروج الدم.

_ الحجامة الرطبة بواسطة كاسات: في هذا النوع تستخدم الأكواب الهوائية  لإحداث نوع من الاحتفان الدموي، وهذا النوع  من الحجامة منتشر خاصة في المجتمع الجزائري.

3.    المعالجون الشعبيون

            يعرف المعالج الشعبي على أنه أحد الأشخاص الذي لديه قدرة على تحديد المرض، واكتشاف أسبابه، وتحديد طرق علاجه من خلال ما يملكه من خبرات متوارثة.(  محمد أحمد غنيم، ط1، 2001 ص 156).

            ويوضح التراث الانثروبولوجي أنه يوجد في كل المجتمعات مجموعة من المعالجين الشعبيين المتخصصون في علاج الأمراض الموجودة بالمنطقة وكل منهم متخصص في علاج مرض أو أكثر.(  محمد عبده محجوب ويحي مرسي عيد بدر، ط1، 2005،ص 184).

كما لم تختف المعتقدات والممارسات الطبيبة الشعبية بمختلف أشكالها، ولا يزال المعالجون الشعبيون يمارسون أدوارهم في مجال التطبيب والعلاج على الرغم من المعارضة الشديدة للطب العلمي الحديث مكتسبين شرعيتهم من الثقة والإجماع الشعبي، كما لم تعد هذه المعتقدات والممارسات محصورة داخل الفئات الشعبية الأقل تعليما   كما ينظر إليها من قبل حيث اكتسبت فئات اجتماعية جديدة تبحث عن الشفاء والعلاج من أمراض عجز عنها الطب العلمي الحديث. (نجلاء عاطف خليل، 2007، ص 232 ).

وتختلف أساليب العلاج تبعا لنوعية المعالجين وأهدافهم لتناسب كافة الشرائح الاجتماعية نذكر اهمها:

1.3.الممارسون المعالجون بالقران

           هم يمثلون القطب الثاني للممارسين المعالجين، الحريصين على استخدام القران الكريم والرقية الشرعية الواردة في السنة النبوية إلى جانب الوصفات الطبيبة بالأعشاب الطبيعية   الموجودة في كتاب الطب النبوي فيما يعرف اليوم بالطب البديل لعلاج الحالات المرضية الوافدة إليهم.

ويعتمد الممارسين المعالجين بالقران في التعامل مع مرضاهم على تغيير أفكارهم ومعتقداتهم

المرضية وخاصة فيما يرتبط بالجانب الروحي والنفسي، إلى جانب العلاج العضوي بالنباتات الطبية كالحبة السوداء وورق السدر  وعسل النحل وغيرها. (  عبد الحكيم خليل سيد أحمد، 2003، ص 39).

         وهذا النوع من العلاج يعتمد على الجانب الديني في علاج العديد من الأمراض  والاضطرابات النفسية والعضوية.

 


رؤية شاملة حول المنهج الاثنوغرافي 

تعتمد الأبحاث الأنثروبولوجية في تركيبتها العامة على الدراسة الحقلية الميدانية التي تشكل عمق وجوهر البحث الحقلي، وتختلف مناهج وأدوات الدراسة باختلاف موضوع وبنية البحث، لهذا يتوجب على الباحث اختيار ما يناسب دراسته  سواء من ناحية المنهج أو أدوات الدراسة حتى يتمكن للوصول إلى نتائج علمية.

يعتبر المنهج الإثنوغرافي من البحوث الكيفية ومنهج أساسي في مثل هذا النوع من الدراسات الميدانية التي تهدف إلى وصف ثقافة مجتمع ما بواسطة الملاحظة بالمشاركة لمختلف الممارسات المراد دراستها من قبل الباحث، وجمع المادة الحقلية من الميدان، وهنا يجدر بنا الإشارة إلى أن السمة الهامة والأساسية في الدراسات الأنثروبولوجية تكمن في طابعها الميداني.

وقد شكل العمل الميداني عصب هذا العلم بإعتبار أن البحوث الأنثروبولوجية  تفرض على الباحث النزول إلى الميدان لجمع المادة، ويتطلب الإلتزام بتدوين جوانب التجربة البصرية المعاشة بواسطة مجموعة من الطرق البحث التي تساعده على انجاز الدراسة بكفاءة.

إن الخاصية التي تميز المنهج الاثنوغرافي هي استخدامه لتقنيتين أساسيتين وهما الملاحظة بالمشاركة والمقابلة بإعتبارهما المصدر 

 الرئيسي لجمع البيانات حول الظواهر والأنساق الاجتماعية.

تعريف الإثنوغرافيا

وتعرف الاثنوغرافيا بأنها الدراسة الوصفية المقارنة لمجتمعات وثقافات الإنسان القائمة بالفعل، فهي مقارنة أفقيا، أي أنها الدراسة الوصفية المقارنة في مكان وعلى النحو الأفقي... كما تقوم الدراسة الاثنوغرافية بتصنيف الشعوب وعقد المقارنات بين أوجه الشبه والاختلاف فيما بينها، حيث تتشابه الجماعات العنصرية بصفات جنسية، كما أنها تتميز أيضا باختلاف اللغة ووسائل المعيشة وطرائق التفكير وأنماط السلوك.

ومن ناحية أخرى تعنى، فأنها تعني الدراسة الوصفية لأسلوب الحياة ومجموعة التقاليد والعادات والقيم والأدوات والفنون والمأثورات الشعبية لدى جماعة معينة أو مجتمع معين خلال فترة زمنية محددة (عيد بدر، 2008، صفحة 28).

البحث الإنثوغرافي

يهدف البحث الإثنوغرافي إلى الوصول لفهم متعمق للطريقة التي يتبعها الأفراد المنتمون إلى الثقافات المختلفة والثقافات الفرعية في إدراك معنى واقع حياتهم التي يعيشونها. والمعنى الحرفي لكلمة الإثنوغرافيا هو" الكتابة عن الثقافة"، فيقوم الإثنوغرافيون بالمضي داخل العوالم الاجتماعية للسكان الموجودين في مجتمع بحثهم، حيث يقومون بملاحظة وتسجيل الحياة الاجتماعية المتواصلة لأفراد هذا المجتمع وذلك عن طريق تقديهم وصفا مكثفا لهذه البيئة الاجتماعية وللحياة اليومية للأفراد الذين يعيشون في هذه الأماكن. فالإثنوغرافيون يقدمون صورا تفصيلية لما في ثقافة ما، أو ثقافة فرعية، أو جماعة فرعية  من ممارسات وعادات الحياة اليومية. وكثيرا ما يقومون أثناء ذلك بجمع المنتجات والمصنوعات اليدوية وغيرها من المواد الثقافية، وهم يسجلون ويحللون تلك التشكيلة المتنوعة من الأبنية الاجتماعية داخل مجتمعهم(هس بيبر، 2011، صفحة 388).

والبحث الإثنوغرافي هو ذلك النوع من البحوث التي يتم إجرائها  بواقع طبيعي غير متكلف، وبواسطة معايشة الباحث الفعلية، والملاحظة بالمشاركة لجميع وقائع السلوك في الحقل ودون أي نوع من الضبط المسبق((Atkinson,1995,page 10 فالبحث الإثنوغرافي يرتكز على عملية الوصف وفهم الأنشطة والممارسات، من خلال تتبع حيثيات الظاهرة وتسجيل المادة الحقلية من الميدان.

المنهج الإثنوغرافي

بمراجعة الأدبيات العلمية تظهر صعوبة تحديد مفهوم المنهج الإثنوغرافي على نحو قطعي للدلالة، نظرا إلى الطبيعة الخاصة التي ترتبط بتصميمه وأساليب تنفيذه ولذلك لا يوجد تعريف موحد متفق عليه بين الباحثين للمنهج الإثنوغرافي (بن سلطان السلطان، صفحة 11)، حيث يعرف الباحث "زيتون" على أنه منهج وصف الواقع، واستنتاج الدلائل والبراهين من المشاهدة الفعلية للظاهرة المدروسة، حيث يتطلب هذا المنهج من الباحث المعايشة الفعلية للميدان أو حقل موضع الدراسة( زيتون، 2006، صفحة 306)، فالمنهج الإثنوغرافي بدوره يسعي إلى جمع المعلومات بالاعتماد على تقنيات مختلفة أو مزدوجة كالملاحظة بالمشاركة والمقابل.

4-3        مميزات المنهج الإثنوغرافي ( عبد السميع، صفحة 33)

_ يهدف إلى فهم السلوك الإنساني دون تحكم مقصود أو غير مقصود.

_  يقوم على دراسة حالة واحدة لمجتمع صغير أو جماعة معينة.

    _ يتم في مواقف طبيعية ودراسة السلوك في سياقه الطبيعي.

   _  يعتمد على الملاحظة المباشرة للباحث.

   _ يختبر ما يحدث فعليا دون الاعتماد على أراء مسبقة.


السبت، 3 يونيو 2017

قراءة سوسيولوجية حول التغير الاجتماعي في المجتمع الجزائري



المجتمعات لا تبقى في حالة استقرار أو ثبات ولكنها دائمة الحركة والتطور، لذا فعملية التغير عملية دائمة ومستمرة وتعتبر ظاهرة طبيعية تحدث في كافة المجتمعات، فالتغير الاجتماعي هو كل تحول في النظم والأنساق والأجهزة الاجتماعية سواء كان ذلك في البناء أو في الوظيفة، ويرجع هذا التغير بمفهومه العام إلى عدة أسباب سواء أكانت داخلية أو خارجية.
فالمجتمع الجزائري عرف التغير منذ دخول الإستعمار الفرنسي للجزائر 1830، والذي عمد على تطبيق العديد من السياسات الإجرامية القمعية التي أثرت بشكل كبير على البناء الاجتماعي وأنساقه في الجزائر، كمصادرة الأراضي، الإبادة الجماعية، التهجير القصري والنفي...، وبالتالي عرقلة المسار التطوري للمجتمع الجزائري إن لم نقل إيقافه، ما نتج، مجتمع جزائري مستغل بالعمالة لدى المستعمر ومضطهد، مجتمع جائع بسبب سياسة الإفقار المطبقة عليه و التراكم الأول للرأسمالية الإستعمارية، مجتمع جزائري جاهل على صعيد التعليم والتكوين المدرسي .... .
هذا ما جعل من إندلاع حرب التحرير ومن ثم حصول الجزائر على إستقلالها وسيادتها الوطنية، أبرز تغير شهده المجتمع الجزائري، حيث طرأ على الأوضاع الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية تغير جذري تماما.
وبالحديث عن المسار التنموي في المجتمع الجزائري، أشارت الدراسات إلى أنه يتحدد بمعلمين يعتبران أساسيين للتغيير في المجتمع الجزائري، واللذان بنيت على أساسهما الملامح الأساسية للمجتمع الجزائري وهما:1
-       حرب التحرير الوطني 1954-1962.
-       المسار التنموي بعد الإستقلال 1962-إلى يومنا هذا.
فحرب التحرير الوطني وصول الشعب الجزائري على الإستقلال تعتبر نقطة تحول أساسية في تاريخ المجتمع الجزائري وانطلاقة لمساره التنموي، نجم عنها تغيير شامل في البناء الاجتماعي وفي كافة الفئات الاجتماعية سواء من حيث أشكال وجودها وسيرها الخاصة، وفي كافة القيم والمقاييس والممارسات الفردية والجماعية، من أبرز آثارها إنشاء قاعدة صناعية وفتح العديد من المدارس والجامعات والقضاء على البطالة والجهل والأمية، نتج عن هذا التحسن في الأوضاع المعيشية انقسام العائلة الكبيرة التي كان يتميز بها البناء الأسري في المجتمع الجزائري لتصبح أسرة نووية.
ما فرض حسب ما قدمته هذه الدراسة ضرورة إعادة توزيع الأدوار والمراكز الاجتماعية داخل المجتمع الجزائري بما يتفق مع الوضع الجديد وتماشيا مع الأدوار والمراكز الاجتماعية التي تحدد مكانة كل فرد ومؤسسة داخل البناء الاجتماعي.
كما أن السياسات التنموية بالجزائر لعبت دور في التغير الذي شهده المجتمع الجزائري، حيث قسمت الأستاذة في دراستها المسار التنموي في الجزائر بعد الإستقلال إلى مرحلتين: 2
-       المرحلة الأولى: 1962-1988
-       المرحلة الثانية: 1988-إلى يومنا هذا
كان على الحكومة بالنظر للحالة التي خرج بها المجتمع الجزائري من مرحلة الإستعمار، التأقلم مع هذه الظروف ومحاولة حلول للقضاء على الفقر والجوع والجهل، وذلك بوضع استراتيجيات لتطوير الاقتصاد وتحقيق الإكتفاء الذاتي في مجال الغذاء والرعاية الصحية، ومنه توفير حياة أفضل للمواطن الجزائري واللحاق بركب المجتمعات، هذا ما انعكس جليا على المجتمع في عدة مظاهر نذكر منها: القفزة أو الطفرة التي شهدتها الجزائر في تعداد السكان " الإنفجار الديمغرافي".

  لمحة موجزة حول لثام الطوارق يدخل اللباس ضمن نسقية العادات والتقاليد التى تمثل ثقافة وهوية الشعوب، فكل جماعة تعرف بلباسها و ممارسات الاجتما...