الجمعة، 23 سبتمبر 2022

الملاحظة والمقابلة في البحث الانثروبولوجي

تعتبر مرحلة  جمع البيانات من بين أهم مراحل البحث العلمي، إذ يتم فيها التنقيب عن المعلومات المتعلقة بطبيعة الموضوع، والتي تعتمد بدورها على أساليب وقواعد أساسية تدخل ضمن نسقية البحث الميداني التي تمكن الباحث من الوصول للمادة الحقلية وفقا لأسس منهجية ومنطقية محددة، والواقع أن قوام البحث يتمثل في العمل الحقلي الذي يشكل قاعدة جوهرية في البحوث والدراسات الأنثروبولوجية.

  إن الدراسات الأنثروبولوجية الحقلية متى ما تم استخدام أدواتها بالشكل الصحيح ستؤدي بالضرورة لنتائج تستحق الإشادة العلمية وهذه الدراسات كسائر الدراسات العلمية تعتمد على تقنيات أساسية، والذي سيتم التركيز عليه هنا هو تقنيات التي يحتاجها الباحث في البحوث الانثروبولوجية ذات الطابع الميداني وهما الملاحظة والمقابلة. 

الملاحظة ( OBSERVATION)

أداة الملاحظة تعرف على أنها أكثر التقنيات صعوبة لأنها تعتمد على مهارة الباحث وقدرته عن الكشف عن تفاصيل الظواهر، وتحليل العلاقات التي توجد بين عناصرها ومكوناتها، وأنماط السلوك الاجتماعي المراد دراستها التي لا يمكن فهمها إلا من خلال ملاحظتها ومتابعتها بطريقة دقيقة وعلمية ومنظمة.

تمثل الملاحظة من بين أهم التقنيات المستعملة خاصة في الدراسات الأنثروبولوجية الحقلية الميدانية لأنها الأداة التي تجعل الباحث على اتصال بالمبحوث وبميدان الدراسة خاصة.

ويقول منذر عبد الحميد الضامن عندما يفكر الباحث في دراسة نوعية فانه يضع في اعتباره القيام بجمع المعلومات عن طريق الملاحظة، فالملاحظة هي عملية جمع المعلومات عم طريق ملاحظة الناس أو الأماكن، وعلى عكس البحوث الكمية فان البحوث النوعية لا تستخدم أدوات مطورة من قبل الباحثين آخرين، بل يطورون أشكال الملاحظة لجمع البيانات.

أنواع الملاحظة: يمكن تصيف الملاحظة إلى صنفين وهما الملاحظة البسيطة والمنظمة:

_الملاحظة البسيطة: يطلق عليها أيضا الملاحظة غير المشاركة، حيث يقوم الباحث بواسطتها بمراقبة المبحوثين عن كثب، دون أن يشارك في النشاط الذي تقوم به الجماعة موضع الملاحظة، ويكون ذلك عن طريق المشاهد أو الاستماع أو متابعة موقف معين (خالد حامد، ص 138)

دور الملاحظ الغير مشارك ( الملاحظة البسيطة):

 _الملاحظ الغير مشارك هو الملاحظ الذي يزور الموقع الذي تتم فيه الملاحظة ويسجل الملاحظات دون أن يشترك في الأنشطة كأن يجلس الباحث خلف الصف ويلاحظ الأنشطة ويقوم بتدوينها(منذر عبد الحميد الضامن، 2006، ص 95)

_الملاحظة بالمشاركة( المنظمة)

تعتبر الملاحظة بالمشاركة الوسيلة الأساسية في العمل الحقلي الميداني، وكثيرا ما يعتمد عليها الباحث الأنثروبولوجي في جمع البيانات، وهي الملاحظة التي يصبح فيها الباحث أحد أعضاء المجتمع المدروس أما أن يكون مصرحا بذلك وأما أن تكون سرية: ففي الحالة الأولي: يصرح الباحث أنه يقوم بالملاحظة بغرض البحث العلمي.

وفي الحالة الثانية: تكون الملاحظة غير مصرح بها، حيث يقوم الباحث بنشاط داخل الجماعة دون أن تعلم بحقيقة هويته وقد اتخذ هذا النوع أشكالا مختلفة( خالد حامد، صفحات 138، 139)       

 فقد استخدمها الأنثروبولوجيين لدراسة المجتمعات البدائية أو في ملاحظة بعض المواضيع التي يتأثر فيها سلوك المبحوث بوجود إي طرف أجنبي، لذلك يحاول الباحث أن يندمج في الجماعة بحيث يتقدم لهم كأنه عضو منهم أو يتعاطف معهم" ويشير احد علماء الأنثروبولوجيا انه: لفهم ثقافة المجتمع لابد من العيش في المجتمع ومعرفة لغة الأهالي( سليم درنوني، ص 83).

المقابلة: ( Entretien)

تعتبر المقابلة من بين أهم التقنيات الأساسية لجمع المعلومات والبيانات خاصة في الدراسات الأنثروبولوجية إذ تكتسي نوع من الأهمية البالغة في كونها تضمن اللقاء الشخصي المباشر بين الباحث والمبحوث، وتعدد التعريفات حول تقنية المقابلة ونعرض أهمها:

تعريف المقابلة البحثية:

المقابلة بوصفها أداة للبحث يتم بين القائم بالمقابلة وبين شخص أو مجموعة أشخاص بهدف الحصول على المعلومات حول موضوع معين، تمتاز المقابلة عن غيرها من أدوات البحث الأخرى بأنها الأكثر مرونة وبأنها تسمح بملاحظة المبحوث أو الظاهرة والتعمق في الفهم الموقف الكلي الذي يستجيب فيه للمقابلة بحيث يستطيع الباحث أن يشرح ما قد يكون غامضا من الأسئلة ويستطيع أن يتكيف مع الجو الاجتماعي الذي تجرى فيه المقابلة حتى يكون أكثر واقعية ويجعل المبحوث أكثر تجاوبا( خالد حامد، ص 140).

أنواع المقابلة:

المقابلة الغير موجهة:

وتسمى أيضا بالمقابلة الحرة أو العفوية وهي نوع من المقابلة تتميز بالمرونة المطلقة، فلا تحدد فيها الأسئلة المخصصة للمبحوثين ولا احتمالات الإجابة، بحيث يترك فيها قدر كبير من الحرية للمبحوثين للإدلاء بآرائهم والمعلومات التي بحوزتهم حول موضوع المقابلة .ويفضل كثير من الباحثين هذا النوع من المقابلة لترك المستجوب يصرح بآرائه بنوع من الحرية نظرا لما يملكه من معلومات تتعلق بموضوع البحث بصفة عامة ( بوترعة بلال، ص 219) وفي هذا النوع من المقابلات يترك الباحث المجال للمبحوث للتعبير بكل حرية عن أرائه واتجاهاته ومشاعره ويتميز هدا النوع من المقابلة بكثرة الأسئلة وتنوعها وعدم انتظامها. 

 المقابلة الموجهة:

وفي هذا النوع من المقابلة يتحدد شكلها ومضمونها، وتتضمن مجموعة من الأسئلة التي تكون منسقة ومرتبة حسب محاور الدراسة، ويستخدم الباحث هذا النزع من المقابلة بهدف الاطلاع بعمق على جوانب الموضوع، ويفترض من القائم بالمقابلة العمل وفق خطة بحث معينة أ دليل يقود إلى تحقيق الغرض المطلوب، فالباحث هنا يحاول أن يقود مسار المقابلة نحو الهدف المحدد في ذهن الباحث، ويساهم هذا النموذج من المقابلة في تعديل فروض الدراسة وتطوير أهدافها، فضلا عن كونه يساعد في بناء استمارة المقابلة( مسعودة بيطام، ص123)

إن طبيعة البحث الأنثروبولوجي يجعل من المقابلة الغير موجهة التقنية الأنجع، خاصة وان التوجه الحديث في البحوث الأنثروبولوجية لا يعتمد على بناء الفرضيات المسبقة بل يدخل الباحث إلى الميدان الأكبر قدر من الحرية في التعامل مع موضوع البحث والمبحوثين (سيكوك قويدر، ص 06).

-    متى نلجأ إلى استعمال المقابلة:

نستعمل المقابلة لمعرفة تمثلات وأراء وحتى الممارسات الاجتماعية عن طريق الكلام الذي يصدر عن المبحوث، مما يدفع إلى تقنية المقابلة هو السياق الذي يجرى فيه، أي ماذا نريد من المبحوث من معلومات وبيانات، في أي ظروف ملائمة يمكن استعمال المقابلة كتقنية لجمع المعطيات؟... تفترض المقابلة كلما كنا لا نعرف العالم المرجعي، أو عندما لا نريد أن نقرر مسبقا نظام الانسجام الداخلي للمعلومات التي نبحث عنها... ويمكن استعمال المقابلة في دراسة الشخص أو الجماعات الصغيرة، فإننا نلجأ إلى المقابلة إذ كانت أهداف دراستنا تريد التوقف عند التمثلات والدلالات والمعاني والتصورات التي يمنحها الأشخاص لواقعهم المعيش، ولا تتوقف حول مسألة ما أو ظاهرة، وأيضا من أجل اختبار فرضيات البحث من خلال معرفة أهداف البحث وتحديدها ( سعيد سبعون، 2012، صفحات174،176).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  لمحة موجزة حول لثام الطوارق يدخل اللباس ضمن نسقية العادات والتقاليد التى تمثل ثقافة وهوية الشعوب، فكل جماعة تعرف بلباسها و ممارسات الاجتما...