الأربعاء، 21 سبتمبر 2022

ثقافة الصحة والمرض من منظور الانثروبولوجيا الطبيبة

إن الاهتمام بقضايا الصحة والمرض، تمخض عن ظهور الأنثروبولوجيا الطبية التي تبحث في مضمونها عن العلاقة بين الثقافة والصحة والمرض،  بإعتبار أن مفهومي الصحة والمرض يرتبطان بالنواحي الثقافية والاجتماعية، كارتباطهما بالنواحي البيولوجية وهذا يعني أن للمرض بعدا طبيا وأخر ثقافيا.

لقد أسهم الأنثروبولوجين في هذا المجال من منظورهم المرتكز أساسا على البعد الثقافي في تشخيص المرض ومعالجته، لهذا لا يمكن دراسته بمعزل عن السياق الثقافي للصحة.

وتؤكد الدراسات الاجتماعية والأنثروبولوجية على أهمية البعد السوسيو- ثقافي في فهم المرض، وكيفية إدراك الناس لبيئتهم خاصة فيما يتعلق بالصحة وحدوث المرض، وخصائص الأنساق والقيم الاجتماعية، فالنسق الثقافي يحتوى على مجموعة من العناصر التي تمارس تأثيرها على الصحة والمرض، وأن الممارسات المرتبطة بالمرض تعد سمة أساسية للثقافة.

وتتضمن الممارسات العلاجية الشعبية العديد من الأساليب والوسائل التي تهدف إلى تحديد نوع المرض وكيفية التعامل معه    واختيار العلاج المناسب له وذلك في ظل ثقافة ومعتقدات الأفراد.

 1.2         الأنثروبولوجيا الطبية:

ظهرت الانثروبولوجيا الصحية نتيجة اهتمام الانثروبولوجين بالصحة والمرض عند الشعوب المختلفة، وفي هذا الإطار تم تناول المعتقدات والممارسات الطبية كجزء من التراث الثقافي الطبي والصيدلاني، وهذا ما جعل المختصين يقومون بجمع معلومات عن الممارسات العلاجية عند الشعوب ومن الأمثلة تلك المحاولات المبكرة التي قام بها  الباحث "كليمنس" عام 1932 من خلال دراسته المسحية المقارنة حول المعتقدات الخاصة بتعليل المرض والتي تطلبت منه الاستعانة ب 229مصدرا معظمها ينتمي إلى الاثنوغرافيا، فمكنته من الوصول إلى نظرية سمها وعرفها" الطب البدائي" أعطى بفضلها المفاهيم البدائية للمرض. (  سميرة بن صافي، 2018، ص931 ).

وقد شهدت الانثروبولوجيا الطبية ازدهارا ملحوظا بعد الحرب العالمية وخاصة حينما أسهمت في دراسة المشكلات الطبية، وتمثل دراسة الباحث "كاوديل" عام1953 عن الانثروبولوجيا التطبيقية في مجال الطب، نقطة البداية في هذا الازدهار، إلا أن هناك محاولات سبقت "كاوديل"، تناولت وصف المفاهيم الاديولوجية والمعتقدات المرتبطة بالصحة والمرض والممارسات الطبية في المجتمعات البسيطة، وشكلت محاور أساسية في الدراسات الاننوغرافية منها دراسة "ايفانز  بريتشارد" و "جيلين" و" ريفرز".( محمد علي م مكاوي، 2007،ص 215).

وتعرف الانثروبولوجيا الطبية بأنها دراسة كلية مقارنة للثقافة ومدى تأثيرها على المرض والرعاية الصحية، ويمثل مفهوم الثقافة نصف مجال اهتمام الانثروبولوجيا الطبية، بينما تمثل الصحة والمرض والوقاية والعلاج النص الثاني.( محمد علي مكاوي، 2007، ص 213).

وهناك من عرفها على أنها دراسة المعتقدات الثقافية والممارسات الاجتماعية المرتبطة بمفهومي الصحة والمرض.( محمد علي محمد، سناء الخولي واخرون، 2011، ص ص 145-146).

وتمثل الثقافة جوانب مشتركة من الأفكار والتصورات والمعتقدات والسلوك التي تشكل حياتنا، وان الممارسات والمضامين الثقافية تعتبر هي السياق الذي نتج فيه الطب كما تم تعليمه وممارسته داخل هذا السياق ( السياق الثقافي).

ويعرف الباحث "فوستر" الانثروبولوجيا الطبية بأنها علم الثقافة الحيوية الذي يعني كل الجوانب البيولوجية والاجتماعية _ الثقافية في السلوك البشر، الذي يهتم بصفة خاصة بالطرائق والأساليب التي تفاعلت بها هذه الجوانب خلال التاريخ الإنساني للتأثير في الصحة والمرض. (إسماعيل رابحي و عائشة حوحو، ص ص 436-437)

وتؤكد الدراسات والأبحاث الاجتماعية والأنثروبولوجية على دور الثقافة في فهم قضايا الصحة والمرض وعلى أن استيعاب هذه الأخيرة لا يمكن أن يتم بمعزل عن البناء الاجتماعي والثقافي للمجتمع( نجلاء عاطف خليل، ص ص 150-153).

الثقافة والصحة والمرض

تمثل الثقافة جوانب مشتركة من الأفكار والتصورات والمعتقدات والسلوك التي تشكل حياتناـ فقد أشار الانثروبولوجين إلى أن الثقافة نتاجا جماعيا مشتركا ومتطورا واطر معيارية قابلة للتشاور وإمكانية تحقيقها لتوجيه وفهم المراد من الحياة اليومية.

فقد تطورت الثقافة من خلال نموذج تطور ثقافي عام تجتاز مراحل متعددة من نمط حياة إنسانية بدائية تعتمد على البحث عن الطعام إلى دول صناعية حديثة، ومن مجتمعات بسيطة الى مجتمعات مركبة...الخ.

 فقط ارتبطت مراحل التطور الثقافي أيضا بالمرض وخاصة الأمراض الوبائية والبيئية حيث كانت معدلات الأمراض المعدية منخفضة نسبيا في مجتمعات البحث عن الطعام بسبب حجمها السكاني الصغير وقابليتها للحركة، ثم زاد انتشارها في المدن قبل الصناعية، وفي العصر الحالي.( نجلاء عاطف خليل، 2007 150_151). وهنا يبين لنا ابن خلدون المجالات العمرانية التي تكثر فيها الأمراض حيث يقول" ووقوع هذه الأمراض في أهل الحضر والأمصار أكثر لخصب عيشهم وكثرة مأكلهم وقلة اقتصارهم على نوع واحد من الأغذية وعدم توقيتهم لتناولها" وهي الحواضر بسبب كثرة وتنوع المأكولات بها.(بغدادي خيرة، كزيز أمال، ط1، 2020  ص 60).

وفي هذا فقد أكدت العديد من الدراسات الانثروبولوجية والاجتماعية أن للثقافة دور قيم في تحديد الأفراد لدلالات الصحة والمرض وكيفية التعامل معها من خلال أساليب وممارسات شعبية وطبيبة تساعد في العلاج.

فيرى "ريس"  Risse ثنائية الصحة والمرض مفهومان مرتبطان بموضوعات مثل القيم الثقافية والدينية والبناء الاجتماعي، بينما أشار "غلاسير " Glaser إلى أن لكل مجتمع من المجتمعات نظريته الخاصة به، وهي نابعة من تصورات والأفكار الأساسية التي يكونها السكان غن الكون والعلم والحياة ، وان اختلاف النظريات الطبية باختلاف الثقافات والحضارات الإنسانية، إلا أن السمة الغالبة على الحضارات الإسلامية والهندية هي ارتباط الممارسات العلاجية فيها الدين.(  كمال بوغديري، 2017، ص 498).

الممارسات العلاجية الشعبية الطبية

1.4 الطب الشعبي:

يمثل الطب الشعبي صورة أولية للطب، وقد أشار هوجر" Hughes" إلى أن الطب الشعبي لم يعد بمعزل عن الطب الحديث.( علي مكاوي،  ص 20)، ويشير الطب الشعبي في مفهومه على انه مجموعة من المعارف والممارسات القائمة على نظريات علمية ومعتقدات التي يمارسها أفراد المجتمع والتي تتوارث من جيل إلى أخر، وهذه المعارف تندرج ضمن إطار الثقافة الشعبية.( يحي مرسي بدر، 2007، ص204).

وتعرف منظمة الصحة العالمية الطب الشعبي على انه شكل من أشكال الطب التقليدي، وانه مجموعة من الطرق والوسائل التي وجدت قبل ظهور الطب العلمي الحديث.( عبد المحي محمود حسن صالح، 2003، ص 70).

إن ممارسة الطب الشعبي يتطلب خبرة قد تكون مستمدة من الوراثة أو احد الأقارب، او مكتسبة عن طريق الخبرات و التحصيل الذاتي.

 فالطب الشعبي لا يزال يمارس وبصفة مستمرة وله إقبال واسع من مختلف شرائح المجتمع خاصة في ظل تطور الطب الحديث، لكن تبقي خصوصية الطب الشعبي ودوره في الأنساق العلاجية ومعالجة مختلف الأمراض ، ونشير إلى بعض  الأساليب العلاجية الشعبية التي يمارسوها الأفراد للتخلص من الأمراض.

1.     المعالجة بالحجامة:  نمط علاجي تقليدي فالحجامة هي إحداث مجموعة من الجروح تشليطية بشفرة معقمة على مستوى مقدم الظهر ، بعد أن يبحث المعالج احتفال دموي في هذه المنطقة بواسطة أكواب هوائية وقد عرف العرب هذا النوع من العلاج الشعبي وأوصى به الإسلام والرسول صلى الله عليه وسلم فأصبحت من السن المباركة.(  العربي حران و خيرة عويسي،2020 ص300 ).

وتنقسم الحجامة إلى نوعين:

الحجامة الرطبة أو الحجامة المدماة: وهي التي نخرج بواسطتها الدم من سطح الجلد بإحداث جروح خدوش لا تتجاوز عمقها0.1مم وبطول حولي 4مم تتركز جميعها في منطقة معينة.( مليكة بن منصور و خالد خواني، 2015، ص142).

الحجامة الجافة: تتم بواسطة أكواب ( كاسات هوائية) لكن دون خروج الدم.

_ الحجامة الرطبة بواسطة كاسات: في هذا النوع تستخدم الأكواب الهوائية  لإحداث نوع من الاحتفان الدموي، وهذا النوع  من الحجامة منتشر خاصة في المجتمع الجزائري.

3.    المعالجون الشعبيون

            يعرف المعالج الشعبي على أنه أحد الأشخاص الذي لديه قدرة على تحديد المرض، واكتشاف أسبابه، وتحديد طرق علاجه من خلال ما يملكه من خبرات متوارثة.(  محمد أحمد غنيم، ط1، 2001 ص 156).

            ويوضح التراث الانثروبولوجي أنه يوجد في كل المجتمعات مجموعة من المعالجين الشعبيين المتخصصون في علاج الأمراض الموجودة بالمنطقة وكل منهم متخصص في علاج مرض أو أكثر.(  محمد عبده محجوب ويحي مرسي عيد بدر، ط1، 2005،ص 184).

كما لم تختف المعتقدات والممارسات الطبيبة الشعبية بمختلف أشكالها، ولا يزال المعالجون الشعبيون يمارسون أدوارهم في مجال التطبيب والعلاج على الرغم من المعارضة الشديدة للطب العلمي الحديث مكتسبين شرعيتهم من الثقة والإجماع الشعبي، كما لم تعد هذه المعتقدات والممارسات محصورة داخل الفئات الشعبية الأقل تعليما   كما ينظر إليها من قبل حيث اكتسبت فئات اجتماعية جديدة تبحث عن الشفاء والعلاج من أمراض عجز عنها الطب العلمي الحديث. (نجلاء عاطف خليل، 2007، ص 232 ).

وتختلف أساليب العلاج تبعا لنوعية المعالجين وأهدافهم لتناسب كافة الشرائح الاجتماعية نذكر اهمها:

1.3.الممارسون المعالجون بالقران

           هم يمثلون القطب الثاني للممارسين المعالجين، الحريصين على استخدام القران الكريم والرقية الشرعية الواردة في السنة النبوية إلى جانب الوصفات الطبيبة بالأعشاب الطبيعية   الموجودة في كتاب الطب النبوي فيما يعرف اليوم بالطب البديل لعلاج الحالات المرضية الوافدة إليهم.

ويعتمد الممارسين المعالجين بالقران في التعامل مع مرضاهم على تغيير أفكارهم ومعتقداتهم

المرضية وخاصة فيما يرتبط بالجانب الروحي والنفسي، إلى جانب العلاج العضوي بالنباتات الطبية كالحبة السوداء وورق السدر  وعسل النحل وغيرها. (  عبد الحكيم خليل سيد أحمد، 2003، ص 39).

         وهذا النوع من العلاج يعتمد على الجانب الديني في علاج العديد من الأمراض  والاضطرابات النفسية والعضوية.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  لمحة موجزة حول لثام الطوارق يدخل اللباس ضمن نسقية العادات والتقاليد التى تمثل ثقافة وهوية الشعوب، فكل جماعة تعرف بلباسها و ممارسات الاجتما...